الاثنين، 11 أغسطس 2014

الأم الطفلة ... الأم الأخرى فيها

الأم الطفلة ... الأم الأخرى فيها



الدواليب تدور بحركة لا تهدأ... الاراجيح مكتظة لا تكف عن التأرجح..اصوات ملحة تنادي أعلى ..اعلى ...اعلى .. آباء وامهات مع ابناءهم يتسلون ويضحكون ويصرخون بحركات لا تعرف ايهم الطفل فيهم ! يلاعب الاباء والامهات ابناءهم بماضيهم الطفولي الى ان تتعب اجسادهم وترهقهم صرخات اطفالهم وحاجاتهم... ينسلوا جانباً بعيداً عنهم بعد ان تركوا لهم وصاياهم التحذيرية ...
تنزوي حنين في الظل يتراءى لها اطفالها منه بوضوح.. ترقب المكان وعينها على نفسها... بدا وجهها ينجلي ببطء للشحوب ودموع كقطرات الندى تتطاير من اطراف عينيها تتلفع بحزنها وكأنها غارقة في احجية تحاور بها نفسها فتجعلها منكمشة على ذاتها...
أقترب منها أجلس بجوارها ... اتمتم كلمات... وهي بعالم آخر لا تسمع لا ترى لا تتكلم .! ماذا دهاها ؟ أين ذهبت كل حيويتها ووجها المفرفح اين تلاشى بهذه السرعة؟ ومنذ متى وهذا الألم يعتصرها؟ هذا الألم الذي يعيد تشكيل تفاصيلنها وتشكيل ملامحنا ... الم يعيد رسم وجوهنا ويشقلب لون عيوننا .. اتصنع مني حركات وافتعلها امامها علّي أخرجها واسحبها مما هي فيه ... ولا يجدي ذلك نفعاً ... اقف والتقط لها صوراً مركة فيها على تقاطيع وجهها وعيونها ... أمرر الصور عليها رافعة صوتي عليها ..انتبهي هذه ليست حنين ...ليست عيناها ... ليس وجهها ... انظري ملامحك كلها ذابلة وعيناك رمادية غائرة..
تضحك متقهقرة من من نفسها ... ملوحة بيديها لاطفالها المنشغلين بلهوهم ... تعود لاعماقها المتضخمة ... تاركة لهواجسها تتكلم ... ساكبة ما لا تصدقه بعوالمها وغير قادرة على مصالحته في دواخلها ...
اطفالي ... اطفالي ... نعم اطفالي يا صديقتي هم سبب ما انا فيه ... هم فرحي وهم حزني .. هم ضحكتي وهم بكاءي ...هم أملي وألمي البعيد...اطفالي يوقظون فيّ كل اشيائي التي يجب ان تظل دفينه ونائمة ... امور حسبتها ستتلاشى حينما اصبح اماً ... ولكنها بقيت فتاتاً تتجمع وتظهر بين فينة واخرى واطفالي هم من يلملمون هذا الفتات وكأنهم يفتشون عن كل جزء مني ليصحو معه جزء من النفس وتصحو الذاكرة وتهاجمني ذكرياتي تنهال علي آلام طفولتي المبتورة من ارجاء كياني تنهال علي بلا رحمة وتصرخ بصوت اقوى مني يهزني ويناديني أين الطفلة فيك؟ هل اضعتها؟ هل ضللتها؟ أأكون أنا من اضعتها أم أمي اضاعتها مني فضعت بأمي؟
اطفالي ... اطفالي يعيدوني بكل لحظة اكونها معهم لتعجباتي الطفولية , لحاجاتي ,, لانشغال امي عني بنفسها ...اطفالي ..اطفالي يدخلوني بصراع بل ينتهي بيني وبين الطفلة فيي ... بين الطفلة فيي والطفولة فيهم ... بيني وبين حبي وعطاءي لهم..يحركون كل هذا الصراع فيي وتبقى اعماقي الطفولية المبتورة تلازمني بقولة وتبقى طفولتهم الأقوى فيي..
. وكم حاولت ان اتناسى انني كنت يوماً طفلة ... ان اتجاوز هذه الطفولة ولكنهم يحيونها
وكلما احيوها فيي كلما هربت بنفسي ونأيت بعيدة عنهم بل ربما اتصنع المرض والغيبوبة عنهم
وحدهم اطفالي من يحددون حضوري الكلي ووحدهم من يغيبونه
يعلو الكلام النفسي في الداخل اكثر وتتساءل بينها وبين نفسها 
أأصقل طفولتهم واغذيها أم استمد من طفولتهم لطفولتي؟..
لست أدري...! فأي حيرة يرميها الزمان والمكان فينا؟!
اكتب ان نمضي حياتنا بصراع حتى مع من هم قطعة منا؟
أغمض عيني على ما تبقى فيي في نفسي واعيش مع اطفالي لاحيا بهم طالما ان آلامي لا تحول بينني وبين ارتواء نفسي
وليسامحني اطفالي ويسامحوا الأم التي فيي!!